معرفة أولى الأولويات بالنسبة للمواطنين حددها الشرع الإسلامي قبل اكثر من اربعة عشر قرنا وتجاهلتها الحكومات الموريتانية منذ الأستقلال وهي الضرورات الخمس التى حث الشرع على حفظها وتتلخص فيما يلي مع توابعها التى تكملها :
الدين والنفس والعرض والمال والنسب
يقول العلماء وإنما يمثل لهذه الضروريات ورعاية الشرع لها بما شرعه الله تعالى من الأحكام، قال الشيخ الجديع: مثالُها في حفظِ الضَّروراتِ الخمسِ: الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، أنْ شرعَ الجهَادَ وقتلَ المرتدِّ لحفظِ الدِّينِ، والقصاصَ لحفظِ النَّفسِ، وحدَّ السَّرقةِ لحفظِ المالِ، وحدَّ الزِّنا والقذْفِ لحفظِ العِرضِ، وحدَّ الشُّربِ لحفظِ العقلِ. انتهى.
وأما الترتيب بين هذه الضروريات: فبحث طويل الذيل جدا، وللعلماء فيه تفاصيل يطول استقصاؤها، لكن الأكثر على أنه يقدم حفظ الدين على ما عداه، ولا شك في أن حفظ أصل الدين مقدم على ما عداه كما أطال الشاطبي في تقريره في الموافقات: ثم حفظ النفس ثم العرض ثم المال ثم العقل، قال ابن أمير حاج: وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ { الذاريات: 56} وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ؛ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ يُقَدَّمُ حِفْظُ النَّفْسِ عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ، لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ حِفْظُ النَّسَبِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ، لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ، إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا، ثُمَّ يُقَدِّمُ حِفْظَ الْعَقْلِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ، قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ ثُمَّ حِفْظُ الْمَالِ
والحكومات المتعاقبة أهملت هذه الضرورات فحفظ الدين يتطلب التربية الحسنة على التعاليم الدينية وأخلاق الإسلام المنصوص عليها والتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم لكي يكملها وهذا مهمول فى المناهج التربوية الغربية والأستعمارية التى تربي بها الدولة الناشئة فى المدارس العلمانية بل وتتركهم يتعلمون فى المدارس الأجنبية المخالفة لكل هذه الضرورات الإسلامية
حفظ النفس معناه جعل كل النظام مكرس لحفظها ماديا وصحيا وأمنيا حتى لا تحتاج إلى رعاية ولا تجدها
أما حفظ العرض فهو يجمع بين العرض العام والعرض الخاص العرض العام تكون الدولة لها سمعة حسنة فى الداخل لدى المواطنين وإذا قال القائمون على الشأن العام فيها شيئا يكون صحيحا وواقعا وهادفا وفى مصلحة الجميع دون زبونية ولا محاباة ولا قبيلة ولا جهوية ولا عنصرية فأول ذلك هو الصدق مع الله ومع الناس فإذا قال المسؤول شيئا يكون حقيقيا ويفى به وإذا وعد مواطنا بشيء يفى به كما وعد وقد مدح الله سيدنا إسماعيل بصدق الوعد مع أنه نبي ورسول قال تعالى / وأذكر فى الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا فبدأ مدحه جل وعلا بصدق الوعد لمافيه من الوفى وتئالف النفوس بخلاف الكذب بالوعد فهو مثير للغضب وللبغضاء والعداوة ومنفر للناس واصحابه بلا ثقة عند أحد
أما حفظ المال فهو منع فساده ثم صرفه فى الأوجه المحددة شرعا وفى المصلحة العام وعدم تبذيره فى المناسبات أو صرفه فى المحرمات أو إتلافه فى الرحلات أو فى المشاريع الغير مجدية أو على مؤسسات بلا مردودية إلى غير ذلك
أخيرا حفظ النسب وفيه ابواب كثيرة منها منع الزنا ومعاقبة الزناة ردعا لذلك والعقوبة منصوصة فى الشرع الإسلامي كذلك منع أنتحال النسب وكل من إدعى نسبا يجب أن يبحث فيه من طرف الدولة حتى تثبته له أو تنفيه منه وتعاقبه على أنتحال نسب كاذب
هذه هي الأولويات التى ينبغي حفظها وهي تندرج فى أولى أولويات حقوق الإنسان