شكرا سيد محمد ولد محم .. على الدرس القيم / جعفر محمود

جمعة, 05/29/2015 - 17:28

يمكن أن يبدو العنوان صادما للبعض ومغرقا في الشخصنة لدى البعض الآخر.. وهو كذلك موقف مشخصن، ولا ريب. أولا لأني أومن بأنه لا فرق بين الذات والموضوع في عالم السياسية وحياة الناس؛ ولأني ثانيا أرى بأن الأستاذ سيد محمد ولد محم أضحى حالة سياسية ساهمت بقوة في بعث شيئ من الحياة للسياسة والعمل العام، بعد زمن تكالب المفسدون والمتسلطون والتكنوقراطيون، جميعا وفي جبهة واحدة، على اغتيال السياسي وضرب "الثقافة السياسية" (بلغة علماء السياسة)، من خلال تهريب القرار الوطني من أيدي الناس ومصادرة حقوق الشعب في تقرير مصيره ورسم مستقبله، أو بتزييف الوعي الجماعي وتمييع القيم السياسية. ولا داعي للتذكير بزمن قريب فرت فيه أرانب السياسية أمام غول الترتيب السلطوي بزعامة نخب التكنوقراط ورجال السياسة القادمين من الأمن. سياق هذا الكلام هو المقابلة الصحفية الأخيرة للأستاذ سيد محمد ولد محم والتي تحدث فيها بمنطق علماء السياسة وبمنطق "رجل دولة"من عيار كبير يفهم في التاريخ وفي الدبلوماسية وفي الإقتصاد ويتكلم برؤية استراتيجية ، ونجح من خلال المقابلة في أن يقدم درسا عميقا في السياسة ، ويحدد لي ولزملائي "أساتذة الرياضيات"ميكانيزمات العمل السياسي، ويصحح لنا الرؤية المغلوطة التي ننظر بها للنظام وهي الرؤية القائمة على التعريف الموجود في الفيزياء وفي علم الأحياء والتي تعتبر النظام (( مجموعة العناصر المترابطة فيما بينها بعلاقات بحيث أنه إذا تعدلت إحداها فإن الأخرى تتعدل أيضا ، وبالتالي فإن المجموعة كلها تتحول )) . هذا الفهم البسيط"المسيطر" يقيد الفعل ويمنع روح المبادرة ويجعل الفاعل السياسي مرهونا ببنية كاملة لايستطيع أن يتحرك دون أن يجرها معه ، وهنا تتوقف الرؤية الإصلاحية ويفشل السياسي في تحقيق خطابه ومشروعه الإصلاحي ، إنها أزمة فهم وازمة نخب وليس أزمة سياسة هكذا يقول الأستاذ بكلام آخر . المقابلة الدرس ..أتاحت فرصة للإنصات لمحاضرة عميقة في أحدث أدبيات الفقه السياسي حول الشرعية والمشروعية ، وتجاوزت بالمهتمين حدود التنظير التقليدي للشرعية القائم على شرعية التمثيل وشرعية الأصول ، وتصدت لمفهوم جديد هو شرعية الإنجاز التي أضاف عالم السياسة "ديفيد ايستون" في تحليله للنظام السياسي . المقابلة الدرس نجحت ايضا في تبسيط درس ثابت في السياسة وهو الجغرافيا ، حين تكلم الأستاذ عن الجوار ، رفض أن تكون موريتانيا أمام إختيار صارم يحدد علاقتها بأحد الأشقاء في المنطقة ويلغي علاقتها بالآخر ، فموريتانيا مع المغرب ومع الجزائر ولن يفرض عليها الاختيار بينهما. ا لمقابلة الدرس .. فرصة عظيمة للتعلم للفهم لحسم التردد في الخيارات ، لتحديد الأفق لقراءة المستقبل لتوضيح الخطوط المشتبكة في السياسة والمشتبكة في العلاقة بين السلطة وبين المجال العام ، وبين النخب والقدرة التعبيرية عن المشاريع السياسية ، والأهم لتوضيح العجز الملازم لنخب التكنوقراط عن بناء حالة سياسية وللتأكيد أن التكنوقراط نفي للسياسة ، ومحاولة لبناء المجال العام انطلاقا من المعادلات وانطلاقا من المعطيات الرياضية الإحصائية .

 

 

على مدار الساعة

فيديو