لقد كشفت أزمة شمال مالي التي نشبت في سنة 2012 عن مدى المخاطر الأمنية الكبيرة التي تتهدد منطقة الساحل والصحراء و دول شمال إفريقيا واستقرارها و امن شعوبها بعدما سيطرت الجماعات المتطرفة المسلحة على منطقة الازاواد في تطور دراماتيكي للأحداث اندلع عقب الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط في الجيش المالي ضد الرئيس امادو تومانو توري.
فقد أصبحت المنطقة مسرحا لعمليات ولنشاط المجموعات الانفصالية و المجموعات الإرهابية المسلحة خاصة بعد تحول الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر إلى اسم القاعدة في المغرب الإسلامي وارتباطها بالإرهاب العالمي وإعلانها الحرب على جميع دول المنطقة مهددة بذلك الأمن والاستقرار والتعايش و السلام وسلامة الأجانب من السياح والعاملين بمنظمات الإغاثة الدولية.
لقد كانت تلك الأزمة مؤشرا واضحا على الضعف الهيكلي الذي تعاني منه دولة مالي وكذا عدد من دول الساحل الإفريقي ومؤشرا موضوعيا على السياسات العبثية التي استمرت طيلة السنين الماضية في تدبير الشؤون الداخلية و تحقيق الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة بالإضافة إلى المماراسات الغير منضبطة لقواعد القانون الدولي و عدم احترام حسن الجوار و التساهل في ضبط و حماية الحدود أمام الهجرة السرية وتجارة المخدرات والسلاح و ضعف العمل المشترك و التنسيق لتحصين الأمن الإقليمي من خطر الإرهاب والجريمة العبر الوطنية مما اضر بشكل بالغ بكل جهود التنمية الإقليمية و بدينامية التعاون الاقتصادي و الاستراتيجي.
الأمن(Security) : يعتبر مفهوم الأمن من المفاهيم المعقدة،لذلك فإن تعريفه يختلف من مفكر إلى آخر ويعود ذلك لما يلي:
التراكم التاريخي
التحول في مصادر التهديد من مصادر متعلقة بالقوة الصلبة إلى اللينة
عدم وجود نظرية عامة
ارتباطه بالظاهرة الدولية والإنسانية التي تتميز بالطابع الديناميكي والنسبي
إزدياد عدد الفواعل الأمنية( الدول،الأحلاف،الأفراد،…)
ومن هنا تقسيم مختلف الاجتهادات الأكاديمية حول تعريف الأمن إلى قسمين حسب الجدول التالي:
تعريفات تقليدية شبعت بالفكر الواستفالي واعتبرت أن مفهوم الأمن يقوم على مايلي: تعريفات تحدثت عن الاْمن الموسع منذ منصف نهاية الحرب الباردة في محاولة لإعادة صياغة مفهوم موسع يتماشى مع التغيرات الدولية،واعتبرت أن مفهوم الأمن يقوم على مايلي:
يتحقق الاْمن عبر القوة العسكرية(Millitary Power) انطلاقاً من قاعدة ” Para bellum “. لا يعتمد على القوة العسكرية فقط بل أصبح متعدد الاْبعاد
مصادر التهديد تأتي من خارج الدولة مصادر التهديد تأتي من خارج وداخل الدولة
الأمن في الغالب من اختصاص وزارة الدفاع وجهاز المخابرات
الأمن أصبح مسعى لكل الوزرات
والتهديد: فيمكن القول أنه لتحقيق الأمن لابد من معرفة التهديدات بأنواعها(لينة،صلبة،داخلية،خارجية…)التّي تسبب الخوف فغياب الأمن وبالتالي فالعلاقة بينهما تلازمية عكسية.
تحقيق الأمن غياب التهديدات وجود التهديدات لا أمن
3 ـ الفرق بين التهديد والمخطر: (The difference between threat and dangerous)
المخطر: يرتبط المخطر بالإحساس وليس بالإدراك وهو عملية حسابية قائمة على فروض احتمالية لوقوع تهديد أم لا في المستقبل،وينطبق هذا التوصيف مثلاً حول إحساسنا بهطول المطر أو عدمه في المستقبل(5).
المفهوم التحدي المخطر من حيث طبيعة المفهوم رؤية بسيطة اتجاه التهديدات الآنية التي تمثل عائق وحاجز أمام استقرار وأمن الشعوب والمجتمعات وهو مرتبط بإدراك صناع القرار. مرتبط بالإحساس اتجاه وقوع تهديد مستقبلي أم لا.
من حيث احتمالية وقوع الحدث في المستقبل هو تهيد آني هو تهديد احتمالي قد يقع أو لا
ـ4. الفرق بين التهديد والخطر(The difference between threat and risk)
الخطر ببساطة هو خاصية أو صفة تطلق على شيء يلحق الضرر مثل: الكهرباء(6).
وكنتيجة نستنتج أن الفرق بين هذه المفاهيم هو كما يلي:
التهديد = يكون مباشر وفي الوقت الآني.
التحدي = هو تهديد منظور له مستقبلاً ولاتوجد له ملامح في الحاضر.
المخطر = هو تهديد محتمل مستقبلاً.
الخطر = هو خاصية تطلق على شيء يحدث خطر.
خاصة بالنسبة لدول الساحل الرئيسية الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر وهو ما أدى في النهاية إلى تفريخ منظمات الجريمة العبر الوطنية والمجموعات الإرهابية و التنظيمات المسلحة الجديدة التي تتبنى العنف والقتل والتدمير في سبيل تحقيق مشاريعها التخريبية كما أدى إلى التدخل العسكري الدولي بالمنطقة خاصة التدخل الفرنسي المدعوم أمريكيا وغربيا من اجل إعادة السيطرة على المنطقة و حماية مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية ودعم الدول الإفريقية الحليفة للغرب في إطار الحرب على الإرهاب.
لقد كانت الأزمة المالية وما ترتبت عنها من تداعيات إقليمية ودولية خطيرة نموذجا واقعيا على ما يمكن أن تسفر عنه الحركات الانفصالية والمليشيات المسلحة من دمار وتخريب في المنطقة برمتها وتهديدات أمنية قد تتجاوز مدى منطقة الساحل والصحراء لتمتد إلى كامل منطقة شمال إفريقيا خاصة بعد الأزمات التي شهدتها ليبيا و تونس إبان حراك الربيع العربي و تمكن عدد من الحركات الجهادية من الاستحواذ مخازن الأسلحة التي فتحت على مصراعيها بعد سقوط نظام القذافي وبعد أن تحولت مخيمات المحتجزين بتندوف إلى ملجأ امن لعدد من قيادات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وثبوت تعاون جبهة البوليساريو مع التنظيمات الإرهابية و منظمات الجريمة العبر الوطنية وتنسيقها المستمر معها في تجارة البشر والهجرة السرية وتهريب المخدرات و تجارة الأسلحة وتجارة المساعدات الإنسانية.
إن تأثيرات الوضع الأمني الغير مستقر في الساحل الإفريقي على قضية الصحراء المغربية تبدو أثاره اليوم كذلك جلية على المنطقة أكثر من أي وقت مضى خاصة مع تمادي جبهة البوليساريو في الممارسات العدائية ضد الوحدة الترابية المغربية التي تنتهجها بدعم واضح من النظام الجزائري من اجل عرقلة مسلسل التسوية السياسية للنزاع وفقا للدينامية الجهوية التي أطلقتها الأمم المتحدة ووفقا لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة المغربية والذي يضمن تطبيقه إنهاء حالة الصراع بالمنطقة و إيجاد الحل العقلاني للمعاناة الإنسانية التي يكابدها منذ 39 سنة المحتجزون الصحراويين بمخيمات تندوف وطي ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي ضمن منظومة تشاركية توافقية تروم التعايش المشترك وضمان حقوق الإنسان و تحقيق التنمية.
لقد سعى المغرب بشتى الطرق الدبلوماسية إلى محاولة احتواء الخلاف الإقليمي مع الجزائر والذي يسببه دعمها للطرح الانفصالي المناوئ للوحدة الترابية المغربية وخدمة الأجندات الاستعمارية في المنطقة وتعطيل مسيرة الاتحاد المغاربي و تقويض جهود التعاون المشترك لتحقيق التنمية و محاربة الإرهاب والتطرف وكل أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
فسياسة العبث التي يسلكها النظام الجزائري في الكيد للوحدة الترابية المغربية والنفخ في النعرات الانفصالية ودعم مليشيات البوليساريو واحتضانهم قد تفضي إلى تحويل المنطقة برمتها إلى بؤرة من نار مشتعلة خاصة مع تدهور الوضع السياسي الجزائري وعدم استقراره وازدياد حالات الانفلات الأمني الحاصل بجنوب الجزائر و بدول الجوار.
كما ظهر بالملموس أن السياسة التي اتبعها النظام الجزائري منذ عقود في تأجيج الصراعات الحدودية وضرب مقومات الوحدة المغاربية و زرع بذور الصراع والكراهية بين شعوب المنطقة هو ما أدى في النهاية إلى ظهور الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي وجدت في التربة الجزائرية خلال التسعينيات المناخ الملائم للتفريخ والتكاثر و الانتشار في المحيط الإقليمي كان شمال مالي ابرز ضحايا تلك السياسة البئيسة.
لقد كشفت أزمة شمال مالي بعد سيطرة الجماعات المسلحة على إقليم الازاواد عن مخاطر جمة تتهدد التعايش الإنساني و التراث و الهوية و الثقافات المحلية حيث عملت تلك الجماعات والمجموعات بعد استيلائها على مدينة تومبكتو التاريخية على انشاب مخالب التخريب والدمار و التدمير في احد أهم المعالم الحضارية في الغرب الإسلامي و إحراق عدد من المخطوطات والكتب النادرة ومحاولة فرض نموذج مجتمعي متطرف وغريب عن الوسطية والاعتدال الديني والسماحة التي عرف بها الطوارق في المجتمع الازوادي وضرب ارتباطهم الروحي بالزوايا والطرق الصوفية وفرض ايديوليوجيا دينية جديدة على الساكنة تعتمد على التطبيق المتعسف لإحكام الشريعة الإسلامية في ظل وضع إنساني مأساوي و فقر مدقع ونقص شديد في الغذاء والكساء و ضرورات الحياة الكريمة.
إن مخاطر تأجيج النزعات الانفصالية في منطقة الساحل و بالخصوص في الصحراء المغربية تكمن في انها تعمل على تعريض امن المنطقة كلها للوقوع بين مخالب مشاريع الفوضى والضعف الهيكلي والقضاء على استقرار وامن المنطقة وإدخالها في دوامة حروب إقليمية لا تنتهي حيث ستوفر المساحات والمناخ الملائم للجماعات المتطرفة والمتشددة لكي تنمو وتتكاثر لنشر التخريب و التدمير والفوضى في كامل المنطقة مستغلة تصارع الدول و انهيار السلط السياسية و ضعف الاستراتيجيات الأمنية و تفاقم الصراعات الإقليمية الحدودية وتناقضاتها والتشرذم الداخلي الديني والمذهبي والقبلي كما هو الحال بمالي والنيجر وضعف أنظمة الحكم وعبثية سياساتها الداخلية والخارجية كما هو حال الجزائر وموريتانيا.