حتى لا يسقط الإعلام في شراك الانتقائية / الولي ولد سيدي هيبه

خميس, 02/19/2015 - 10:03

لا شك أن الندوة التي نظمتها إذاعة موريتانيا وبثتها قناة "شنقيط" الفضائية مساء الإثنين 16 فبراير2015 في مباني الإذاعة كانت قيمة على أكثر من صعيد و من ذلك جودة الموضوع و قيمة الحضور النوعي من النخب الاكاديمية و السياسية و المجتمع المدني.

و لما كان الموضوع و الفكرة و التوجه و الوسيلة قد شملهم العنوان في جمع موفق كما الأشياء التي تشكل معا جسما واحدا فإن الشمولية في العنوان كانت أدق ما فيه حيث كان "منتدى الحوار الشامل" حتى لا تبقى لأحد غاب و هو حاضر و غير منشغل بهم أولى في دائرة ضرورة الحضور الذي تحتمه المكانة و المستوى و المسؤولية، لا تبقى له إذا أعذارا يتحجج بها عن شغور مقعده و لا مبررات يلغي بها عن نفسه الاتهام الذي قد يوجه إليه بأنه تراجع عن أداء واجب مصيري تحتمه عليه مكانته التي اقتطعت له في حيز حمل الوطن على كاهله و حمايته من كل ما يمس بحوزتيه المعنوية و الترابية.
هي إذا الندوة بشمولية الحوار التي انعقدت تحت "عنوانه" و انفتحت على آفاق واسعة من حرية الرأي و متنوع إفرازاته التي تمخضت عنها في نهاية المطاف و على وقع "تناوب" واسع على "الإفصاح" تفردت الإذاعة الموريتانية ببثه الحي المباشر على أثيرها لمستمعيها و قناة "شنقيط" عبر بثها المرئي لمشاهديها بأن نقلتا كل أصداء المداخلات الكثيرة حول محاور متنوعة و متكاملة و كذلك التعقيبات التي وردت بغزارة من كل الحضور دون قيد أو مصادرة، متيحة في ثنائية العطاء و تلاقح الأفكار و الطرح لكل المستمعين و المشاهدين فرصة توسيع دائرة الاختيار الحر و آفاق القدرة على تنمية شحذ المواقف بما يصادف القناعات الخالصة، المنسجمة تماما مع الرؤى الشخصية، المطابقة للمتبنى و ما هو متبع من الأفكار و إملاءات الضمير الحر المستجيب للفطرة بعيدا عن تأثيرات "القرب" و "لي الذراع" و قوى تمييع المواقف السلبية.
و لما أن الندوة تناولت الحوار مفهوما و دلالات فقد تنوعت المحاور التي تراوحت بين الموقف الفقهي و الأكاديمي و السياسي و إملاءات الحوار و ضوابطه و المخاطر التي تتهدده و تعترض نجاحه و كيف يجب أن يتم بين الفرقاء و إلى أي مدى حتى تجنى من ورائه النتائج التي تفضي إلى تقارب المواقف و تغليب منطق السلام و الوئام و السعي إلى بناء الصرح المشترك.
و فيما أبلى الاكاديميون و الفقهاء على خط تناول المحاور بكل الابعاد بلاء تنظيريا حسنا، فقد جاءت مداخلات الخط الثاني "التعقيبية" إن جاز التعبير جريئة و فاصلة بين التنظير و الغوص في حيثيات المحاور. عندها ارتفعت وتيرة النقاش و اتسم بالحوارية الجادة فلم يسلم موضوع من التناول  بدء بإشكال الهوية و اللغة إلى غاية جوهر الخلافات بين الرؤى السياسية لـ"الحكامة" و مرورا بالمسألة الحقوقية في دائرة إشكالات الرق و الإثنيات و ما يهدد وحدة المصير إن لم يكن ما يؤمنها و يضع لها أسباب التحقق.
و فيما كانت أيضا إدارة الحوار على مستوى المناسبة على قدر معتبر من الرصانة و المهنية إلا أنه قد شابها بعض من الشطط المهني الذي قد يعزى من بين أمور أخرى إلى رهبة الموضوع في جودته العالية و تأثير نوعية الحضور القيمة كيفا و كما و غزارة المتدخلين من أساتذة مرموقين و سياسيين مخضرمين و إعلاميين متربصين و جمهور متنوع المشارب و الاهتمامات، سامي الوعي، ضليعا بما أفصح عنه في قضايا الوطن و همومه و عارفا بمتطلبات الحوار المطلوب بإلحاح.  و هي الحالة التي كادت أن تسقط في شراك:
- التمييز بين الحضور من خلال إضفاء الألقاب على البعض من الشخصيات دون أخرى هي لها كذلك من الألقاب تستحق أن تقدم بها إن كان لا بد من ذلك، و هو التقديم بمميز الصفات الغير محبذ عندما يكون الجميع على مستوى الحدث،
- انتقاء المتدخلين في ترتيبية غير واردة أو هي غير محببة في مثل هذه التظاهرات التي تجمع الملمين بموضوعها و الذين لهم عطاء مستحق التقديم و فيه إثراء مطلوب بالأساس،
- توزيع غير عادل للحيز الزمني المخصص للمداخلات و كأن بعضها أولى من بعض، الأمر الذي أفرغ المحتويات العامة للندوة من بعض الشحنات العالية القيمة التي كادت تصدر كاملة ومثرية عن عديد المتدخلين الذين أبانوا عن خصوبة في العطاء و تمكن من الموضوع و قدرة على الإضافة.
و مع كل ذلك فقد كانت النتيجة في عمومها أن تحددت المعالم الأساسية للحوار الشامل و تم الإفصاح عن رؤى عالية تمهد لقيام هذا الحوار و مقترحات بناءة و واعية إن أخذت بعين الاعتبار من قبل كل الفاعلين السياسيين و في المجتمع المدني لا بد أن تسهم في كسر الجليد و تذليل العقبات الكأداء أمام انطلاقة حوارية شاملة هي المطلب الملح في هذا المنعطف الدقيق من حراك أمتنا السياسي المتعثر و التنموي الضعيف

 

على مدار الساعة

فيديو