البنك الدولي يقترح خمس طرق للرعاية الصحية الشاملة

أربعاء, 12/26/2018 - 10:29

نقص الرعاية الصحية إهدار لرأس المال البشري: 5 طرق لتحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030

حينما تم تشخيص إصابة سيسيليا رودريجيز بالتهاب المفاصل الروماتزمي -وهو اختلال في المناعة الذاتية يسبب الالتهاب وآلاما في المفاصل- قبل ثمانية أعوام تبيَّن لها أمر بالغ الأهمية. فقد أدركت أن ما كانت تدعو إليه وهي مديرة لإحدى منشآت الرعاية الصحية الأولية في شيلي مختلف اختلافا كبيرا عما تحتاج إليه فعلا وهي مريضة.

واستجابة لذلك الوضع، أنشأت سيسيليا مؤسسة "فونداسيون مي موفو" غير الربحية مع شقيقتها التي كانت أيضا مصابة بالتهاب المفاصل الروماتزمي، وذلك لمساندة الأشخاص المصابين بهذه الحالة المزمنة. وأصبحت أيضا من الدعاة لدعم المرضى، وتعد مؤسسة مي نوفو جزء من حراك متنام في شيلي لمنظمة يقودها المرضى في شيلي. تقول سيسيليا: "أنظمة الرعاية الصحية مُوجَّهة في الغالب نحو معالجة الأمراض الحادة، ونادرا ما تكون مُصمَّمة لمساعدة المرضى المصابين بأمراض مزمنة. وقد سمَّينا منظمتنا غير الحكومية مي موفو (التي تعني "إنَّي أتحرك") لأننا أدركنا أنه في ظل هذه الظروف يجب على المرء أن يواصل التحرك، ليس هذا فحسب، "فإنَّني أتحرك" تعني أيضا "أنني اتخذ التدابير اللازمة"."

وسيسيليا جزء من حركة عالمية متنامية تسعى إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة. وتستند التغطية الصحية الشاملة إلى فكرة بسيطة مؤداها أنه يجب أن تتاح لكل الناس إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الجيدة التي يحتاجون إليها دون التعرُّض لمتاعب مالية.

الصحة للجميع بحلول 2030

إن يوم التغطية الصحية الشاملة الذي يحتفل به العالم في 12 ديسمبر/كانون الأول من كل عام فرصة لتسليط الضوء على ما تحقَّق من تقدُّم على مستوى العالم نحو بلوغ هذه الغاية. وبفضل القيادة الوطنية القوية والإصلاحات الطموحة، شهدت معظم أجزاء العالم توسُّعا في إمكانية الحصول على الخدمات الصحية والجهود من أجل تيسير تكلفتها. ولكن مع ذلك، مازال نصف سكان العالم محرومين من الحصول على الخدمات الصحية المطلوبة، و100 مليون شخص يسقطون في براثن الفقر المدقع كل عام بسبب نفقات الخدمات الصحية، وذلك وفقا لنتائج دراسة حديثة لمجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
يعني تعميم التغطية الصحية توفير خدمات الرعاية الصحية لكل من يحتاج إليها دون معاناة مالية. تتباين التغطية الصحية تباينا واسعا فيما بين البلد

إن تحقيق التغطية الصحية الشاملة التزام عالمي في إطار أهداف التنمية المستدامة. وهو أيضا عامل رئيسي لبلوغ هدفي مجموعة البنك الدولي لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك - ولا يمكن تحقيق هذين الهدفين مادام الملايين من الناس يسقطون في براثن الفقر كل عام بسبب نفقات الخدمات الصحية. وتقديم خدمات ميسورة التكلفة وعالية الجودة تحدٍ جسيم تواجهه البلدان على كل مستويات الدخل كما تشير بيانات من 183 بلدا في قاعدة بيانات مجموعة البنك الدولي لعام 2018 عن مؤشرات الإنصاف والحماية المالية في مجال الرعاية الصحية.

تشكل تكاليف الرعاية الصحية عبئا كبيرا يثقل كاهل الأسر. وفي أنحاء العالم، ينفق 800 مليون شخص 10% على أقل تقدير من ميزانيات أسرهم على دفع نفقات الرعاية الصحية، وهو ما يضطرهم في الغالب للاختيار بين الرعاية الصحية، والاحتياجات الضرورية الأخرى لأسرهم، مثل الغذاء والمصروفات المدرسية أو مصاريف الانتقال. ولو أن هؤلاء المرضى البالغ عددهم 800 مليون شخص يعيشون في بلد واحد، لكانوا ثالث أكبر تجمُّع سكاني في العالم. وتشهد كل مناطق العالم هذه الأعباء المالية.

وقد تحجب هذه الأعداد الكبيرة المعاناة اليومية للأفراد والأسر حينما يعجزون عن الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها: الرضيع الذي لا يتم تحصينه ويموت من الالتهاب الرئوي، والطفل المصاب بالتقزم الذي تشوب أداءه الدراسي وتعلُّمه دائما معوقات، والحامل المراهقة التي تعجز عن الحصول على خدمات تنظيم الأسرة وتضطر إلى ترك الدراسة، والأم التي تنزف بعد الولادة ولا يتاح لها الحصول على مشتقات نقل الدم.

"إن السبيل الوحيد لكي نُقدِّم حقا الرعاية الصحية لكل فرد في كل مكان في العالم هو أن نُحدِث تغييرا جوهريا في النظام القائم بحيث تطلب الحكومات والشعوب مزيدا من الاستثمارات في الرعاية الصحية."

نقص الرعاية الصحية إهدار لرأس المال البشري

ينطوي هذا الحرمان من الرعاية الصحية على ظلم، وهو أيضا إهدار لطاقات الإنسان ورأس المال البشري للبلدان. ويتألف رأس المال البشري من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي تتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم وتمكِّنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع. والصحة عنصر أساسي من عناصر رأس المال البشري للبلدان. وبدون الرعاية الصحية الجيدة، لا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة، والتعلم، ولا يستطيع البالغون العمل والإسهام في رفاهة أسرهم وبلدانهم. إن وجود سكان أصحاء متعلمين وقادرين على مواجهة التحديات والأزمات عنصر أساسي لقدرة البلدان على المنافسة بفاعلية في الاقتصاد العالمي.

 في هذا الصدد، يقول رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم إن: "السبيل الوحيد لكي نُقدِّم حقا الرعاية الصحية لكل فرد في كل مكان في العالم هو أن نُحدِث تغييرا جوهريا في النظام القائم بحيث تطلب الحكومات والشعوب مزيدا من الاستثمارات في الرعاية الصحية." 

وحينما تبدأ الاستثمارات في الرعاية الصحية في السنوات الأولى للعمر وتستمر خلال مراحل الحياة - للرضع والأطفال والمراهقين والبالغين والكبار- فإنهم يُرْسون بذلك أساسا قويا لنمو البلدان وقدرتها على المنافسة. وينبغي النظر إلى كل العيش سنة إضافية بصحة جيدة على أنه وقود يُذكِي نمو الاقتصاد، ولهذا تعني التغطية الصحية الشاملة الاستثمار على مدار العمر.

 

يختلف المسار إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة من بلد لآخر، وتساند مجموعة البنك الدولي البلدان من خلال تقديم التمويل، والمشورةبشأن السياسات، والمساعدة الفنية، وإنتاج البحوث والمعارف، وجمع مختلف أصحاب المصلحة حول أهداف مشتركة. وتحقيق التغطية الصحية الشاملة هي القوة الدافعة لاستثمارات مجموعة البنك في مجالات الصحة والتغذية والسكان والتي بلغت في السنة المالية 2018 نحو 14 مليار دولار.

ومن خلال مشروعها الجديد لرأس المال البشري -وهو جهد يستهدف تسريع وتيرة الاستثمارات في البشر كما وكيفا، تعهدت مجموعة البنك الدولي بتعزيز استثماراتها في مجالات مثل الرعاية الصحية. ويقيس مؤشر رأس المال البشري الذي أطلقه المشروع أداء البلدان ويُصنِّفها وفقا لرأس المال البشري المتوقع أن يكتسبه طفل مولود اليوم وهو في سن الثامنة عشرة من خلال استثمارات في الصحة والتعليم - ويُظهر المؤشر مقدار الدخل الذي تخسره البلدان بسبب الفجوات وأوجه النقص في رأس المال البشري. وتعد حكومات البلدان أكبر مُحرِّك للتغيير والاستثمار في رأس المال البشري، ومن ذلك الرعاية الصحية.

تسريع وتيرة التقدم: 5 طرق لبلوغ الغاية

لا توجد عصا سحرية أو طريق واحد لتحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030، لكن ثمة خمسة عناصر أساسية لتسريع وتيرة التقدم:

1. زيادة التمويل للرعاية الصحية، وزيادة خدمات الرعاية الصحية مقابل المال

يواجه قطاع الرعاية الصحية أزمة حادة تتعلق بنقص الاستثمارات. وتُقدَّر تكلفة خدمات الرعاية الصحية الأساسية على مستوى العالم بنحو 90 دولارا للفرد سنويا. وفي عام 2015، استثمر 71 بلدا أقل من هذا المبلغ في صحة مواطنيها، واستثمر 41 بلدا مجموع سكانها 2.6 مليار نسمة أقل من 25 دولارا للفرد الواحد. ويجب على البلدان أيضا تحسين كفاءة استثماراتها في قطاع الصحة لضمان تحقيق أفضل النواتج الممكنة. وقد تؤدي المساعدات الإنمائية الخارجية للرعاية الصحية، وشراكات عالمية أخرى دورا تكميليا مُحفِّزا للموارد المحلية التي تُشكِّل الغالبية العظمى من الاستثمارات في الصحة على المستوى القطري.

2. التركيز على جودة الرعاية

لا يكفي الحصول على خدمات الرعاية الصحية وتيسير تكلفتها، فالرعاية الصحية يجب أيضا أن تكون عالية الجودة. أوضحت ثلاثة تقارير عالمية صدرت حديثا منها تقرير مشترك لمجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن تدنِّي جودة خدمات الرعاية الصحية يعوق التقدم نحو تحسين الصحة في البلدان على كل مستويات الدخل. على سبيل المثال، فإن 10% من المرضى الذين يدخلون المستشفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من المتوقع أن يُصابوا بعدوى ما خلال إقامتهم، و7% في البلدان المرتفعة الدخل. ومع ذلك، تحقَّق بعض التقدُّم في تحسين الجودة، على سبيل المثال في معدلات البقاء على قيد الحياة لمرضى السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية. 

3. حماية جميع الناس من الأوبئة

لقد حدثت زيادة مطردة في تواتر حالات تفشِّي الأمراض وتنوعها خلال الثلاثين عاما الماضية. ويمكن أن تقع الأوبئة في أي مكان. لكن في أغلب الأحيان تقع حالات تفشي الأمراض وتخرج عن نطاق السيطرة في أضعف جزء في المنظومة الصحية وهو الجزء الذي لا تصل فيه خدمات الرعاية الصحية إلى الناس. ولا يمكن وقايتنا جميعا من تفشي الأمراض والأوبئة إلا إذا تمت تغطية كل فرد بالخدمات الصحية، وهذا هو أساس التغطية الصحية الشاملة. ولهذا، تُركِّز مجموعة البنك الدولي على مساندة البلدان في تقوية أنظمتها الصحية البيطرية والبشرية من خلالبرنامجها لتعزيز الأنظمة الإقليمية لمراقبة الأمراض، وقامت بدور رائد في تطبيق تمويل مبتكر للاستجابة السريعة للأوبئة من خلال صندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة.

4. تبنِّي نهج الابتكار

لا يمكن تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030 باتباع نهج "العمل المعتاد". وتبنَّت البلدان الناجحة نهج مبتكرا على نحوٍ ساعد على إصلاح أنظمة الرعاية الصحية. وتناول تقرير مجموعة البنك الدولي المعنون الأعمال غير المعتادة كيف استطاعت بلدان تحسين وتيرة التقدُّم في هذا الصدد. فقد اتخذت رواندا شراكة مبتكرة مع القطاع الخاص تهدف، على سبيل المثال، إلى خفض الوقت المستغرق في تقديم الدم لإنقاذ الحياة وذلك باستخدام الطائرات بلا طيار. وقد شهدت أفغانستان تحسينات كبيرة في معدلات البقاء على قيد الحياة والتغذية للأمهات والأطفال على الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية، وذلك بالتعاقد مع منظمات غير حكومية محلية لتقديم الخدمات الصحية الأساسية. وساعدت نُهُج التمويل المبتكر في صياغة سياسة الحكومة التركية لإصلاح قطاع الرعاية الصحية، ويعمل الآن صندوق التمويل الطارئ -وهو منصة للتمويل المبتكر بقيادة البلد المعني- في 27 بلدا بالتحفيز على إجراء استثمارات واسعة النطاق في صحة وتغذية الأمهات والأطفال.

5. حشد الدعم من أجل تحرُّك جماعي

يتطلَّب تحقيق هدف التغطية الصحية الشاملة بحلول 2030 تمكين الناس والمجتمعات ومنظمات المجتمع المدني من المشاركة الكاملة والفعالة في جهود التغطية الصحية الشاملة، ومساءلة الحكومات عن ضمان توفير رعاية صحية عالية الجودة ميسورة التكلفة ويسهل الحصول عليها. وينبغي أن يدرك الناس ما يحق لهم الحصول عليه من نظامهم الصحي، وأن يشاركوا في تصميم الرعاية الصحية التي تستجيب لاحتياجاتهم، وأن ينشطوا في رصد الرعاية الصحية حتى يمكنهم الدعوة من أجل تغيير النظام عندما لا يقدم ما يعِد به. التغطية الصحية الشاملة بحلول 2030 تحرك عالمي للمؤسسات والحكومات ومنظمات المجتمع المدني لبناء أنظمة أقوى للرعاية الصحية من أجل التغطية الصحية الشاملة، وتتصدَّر الدعوة إلى هذا التحرُّك مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية لضمان تحقيق هذه الغاية.

 

على مدار الساعة

فيديو