رمضان شهر الله المعظم تتضاعف فيه الحسنات وفيه عجائب ستكون هي موضوعنا اليوم

أحد, 03/31/2024 - 17:06

 

حدثني شخصٌ أسلم عن قصة إسلامه وأنها كانت بسبب رمضان ، قال إنه تعجَّـب من المسلمين في قريته ، كيف كانت وجوهُهُم تتقلَّـب في السماء عندما انصرم الشهر الذي قبل شهر الصـوم ، كأنهـم ينتظرون إشارة من خالق الكون من فوقهـم ليقوموا بشيءٍ بعدهـا ، فلما رأوْا الهلال ، فرحوا فرحا عظيما ، كأنهم بُشـِّروا بأعظم البشرى ، ولم أتوقّـع أن يكون فرحهم بأنهم سيمتنعون عن الشهوات طيلة شهـر في النهار كلِّه .. هذه الشهوات التي يتقاتل بنو البشر عليها ، وتخاض الحروب التي تفتك بالملايين من أجلهـا، وأنهم سيصلُّون بمناجاة ربهم في الليل ، قال : فأخذ هذا منهم بلبـِّي ، واستحوذ على قلبي ، فصمتُ معهـم ، وأنا لا أعرف الإسلام ، ولم أنطـق بالشهادتـين ، بل أكتفي بالإمـتناع عن الأكل والشرب وإتيان زوجتي إذا ذهب المسلـمون لصلاة الصبح ، وكنت أفطر إذا سمعت أذان المسجد لصلاة المغـرب ، وأذهب فأصلي معهم في الليل ـ صلاة التروايح ـ وأصنع مثل ما يصنعون ، قياما ، وركوعا ، وسجـودا ، غير أنني لا أتكلـم بشيء ، فأجـد راحة عجيبة ، وسكينة لم تعرفها روحي من قبل ، حتى إذا انتصف الشهر ، لاحظني الإمام وأنني غريب عن القوم ، فسألني عنـي ، فدهش من قصتي إندهاشـا حمله على أن يجمع الناس ليسمعوا منـي ، فلما سمعوا قصتي علموني الإسلام ، فنطقت بالشهادتين ، فكبروا وقالوا أنت أسلمت على يد رمضان ، وسموني رمضـان ! ومن عجائب آيات الله في رمضان ، أنه لو بذل فلاسفـة البشرية ومفكروهـم كلهم مجتمعـون طلاع الأرض ذهبـا على أن يجعلوا سدس سكان الكرة الأرضية ، يجتنبـون الشهوات ، ويتنزهون عن متاع الدنيا ، ويتركون بطونهم خاوية ، ويلتفـتون إلى أرواحهـم ليطهروها من التعلق بعالم المـادة ، إلى السمو الأخلاقي الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، فليس لله حاجـة أن يدع طعـامه وشـرابه ) ، يوما واحـدا وليس شهرا كاملا ، لأعلـنوا عجزهـم ، فيما نجـح فيه هذا الدين العظيـم . إنـَّه في كلِّ عام وفي شهـر كامـل ، يلغـي من التاريخ البشري البطـون ، ويجعل محلَّها القلـوب ، ولهذا ـ والله أعلم ـ جعل الصيام في النهار دون الليل ، حتـى يظهـر إعـلان هذه الحكـمة على الناس جهاراً نهـاراً ، لايستخفى بظلمة الليل ، ولاتكنـُّه بيوت المدر ، والوبـر ، وإنَّ هذه و الله لآيـةً باهـرة . واتفـق لي أيضا قصة أخرى من قصص الإسلام ، تشبه ما ذكرته آنفا ، وحدثتني بها امرأة كانت غير مسلمة ، وكانت تشعر إذا دخل هذا الشهر المبارك بمـا يمنعها من الأكل والشـرب ، وكان تبتعد عن زوجها متذرعة بالمرض في النهار إذا أرادها ، وتقول لم أكن أستطيع أن آكل أو أشـرب ، حتى أسمع المساجد حولي بيتي تؤذن مع غروب الشمس ، فكانت الدموع تذرف من عيني ، إذ أجـد شهيتي لا تطيعني إلا إذا سمعت هذا الأذان ، فآكل وأنا أبكي ، وأتمنى أن أصبـح مسلمة ، ولولا الخـوف من زوجي وأهله وأهلي ، لأسلمت ، ولما سألتني ماذا أصنع ، قلت لها أسلمـي وانطقي بالشهادتين ، واكتمـي إيمانك حتى يفتح الله عليك. واسأل المجتهدين في دعوة غير المسلمين فسيخبرونك بالأعجايـب ، وأنّ شهـر رمضان هـو شهر الدخول في دين الله أفواجـا ، ومن عجائب هذا الشهر المبارك أن الله تعالى جعل أعظم انتصارات الإسلام فيه ، لئلا يقول قائل إنَّ الصوم يضعـف الطاقات ، كما قال الرئيس الهالك أبورقيبة عندما زعم أنَّ الصوم يعطل الإنتـاج ! وطلب من الشيخ العلامة الطاهر بن عاشـور أن يفتي للعمال بالفطر في رمضـان ، فكان مما حفظه لنا تاريخ تونس الإسلامية التي يحاول رئيسها الحالـي تخريب هويتها ، ما حفظه لنا من واقعـة عجيبة ، عندما ظهر العلامـة الطاهر بن عاشور على الإذاعة ، فتلى قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكـم لعلكم تتقون ) ، ثم قال : صـدق الله ، وكـذب أبو رقيـبة ، فأخمـد دعوة (أبو رقيبة) الباطلة بكلمـة الحـقِّ . وقد كان لهذا العالم التونسي الجليل موقفٌ جليلٌ آخر عندما أصدر فتوى إبـّان الإستعمار الفرنسي أنَّ من يتجنس بجنسية فرنسا المحتـلّة لتونس ، لايُقبـر بمقابر المسلمين ، وعليه إن أراد أن يدفن بين المسلمين ، وقد تحصَّـل جنسية المحتلّ الفرنسي ، أن يأتـي تائبـا وينطق بالشهادتين ، ويرمـي الجنسية الفرنسية ـ ولك أن تتخيل أيها القارئ الكريم لو كان هذا الشيخ حيـَّا بيننـا ، إذاً لأطلقـوا عليه تهمة الإرهاب و التكفير !! ـ فجنَّ جنون الفرنسيين . ومن عجائب رمضـان إطـلاقه عوامـل الخيـر بين الناس ، ولهذا تجد ما يتعاطاه الناس من الإحسان لبعضهم في هذا الشهر المبارك ، لايقارن بالسنة كلَّها ، حتى صار يُسمَّى عند عامة الناس ( رمضان كريم ) وذلك لكثرة ما يرونه من تعاطـي الخير والإحسان بين الناس فيه . ومن هنا ـ والله أعلم ـ شرعت بهجة العيد بعده ، ومقرونة بإخراج الصدقة قبل صلاة العيد أيضـا ، لتربية المسلمين على أنَّ الإبتهاج الحقيقي هو الذي يثمـرُهُ الإحسان إلى الناس ، والتخلص من جشع الحياة المادية ، إلى عطـاء الصفاء الروحـي . ومن عجائبه أنـَّه يمـرِّن المسلمين على الدعوة إلى الإسلام ، فيعيد اللحمة بين المسلم ورسالته ، ذلك أنـَّه يحـوِّل التـَّركَ المجـرَّد إلى أكبـر وأنفع فعل إيجابي للإنسانية ، ولهذا تجد كثيراً من الناس لايسمعون عن الإسلام إلاَّ في رمضان ، وكـم هي تلك القصص التي يجد المسلم فيها نفسه يتحول إلى داعيـة رغما عنه ، عندما يسأله من حوله : لماذا لا تأكـل ؟! فيقول لأنه رمضان وأنا صائم ، فيسألونـه عن الصوم ، فيحدثهـم عن الإسـلام . وأخيـرا فهاهـو الإسلام يبهر العالم بإنجازه العظيم في رمضـان ، عندما يضـرب في وجـه العولمة المادية المتوحشـة التي أهلكت الحرث والنسل بما غرست في العالم أجمع من جشع ثالوث المادة ، والشهوة ، والمنفعة ، يضـرب في وجهها بقيم تنقية الروح ، وتهذيـب الخلق ، وصنـاعة الخيـر المتعدي . ليقول لأعداء الإسلام : هؤلاء هم المسلمون الذين تسعون بكل سبيل لتلويث سمعتهم ، هـاهـم يترفعـون عن جشعكم البغيض ، ورأسماليـتكم الخبيثة ، بالصيـام ، ليعملوكـم ما لاتعرفون ، عن تصفية الروح بالخير ، والإحسان ، والرحمة ، والإيمـان . فاللّهم اجعل لنا من بركة رمضان الحظ الأوفـر ، والنصيـب الأكبـر ، والقـدر الأكثـر . آمين المصدر: موقع الشيخ حامد العلي

يقال أنه حدث في ليلة الرؤية أن أعلن رجال الدين أن الهلال لم يظهر، وفي المقابل أعلن الوالي وأنصاره الجراكسة أنهم رأوه، وكبر الناس وأضاءوا المشاعل، لكن أحد المشايخ نزل غاضباً وهو يصيح: "اطفئوا المصابيح يا حرافيش، أتصدقون الجراكسة وتكذبون العمائم؟"

هلال منتصف النهار

كانت رؤية هلال شهر رمضان إحدى المشكلات التي واجهت المصريين خلال حكم المماليك (1250 - 1517)؛ كون "الرؤية" شرطاً لكي يقر العلماء والمشايخ ببدء الصيام.

ويرسم الكاتب محمد المنسي قنديل، في مؤلفه "لحظة تاريخ"، صورة لليلة استطلاع الهلال في مصر المملوكية بقوله: "شيوخ الأزهر يجب أن يروه بالعين المجردة، ومعظمهم يعانون من ضعف في الإبصار، وغالباً ما تهب من (المقطم) رياح رملية قاتمة، تجعل الرؤية متعذرة حتى من أعلى المآذن. الهلال يظهر أحياناً واضحاً كأنه سن ضاحك، وأحيانا يبقى غائباً. ويمضي اليوم التاسع والعشرون ويحل اليوم الثلاثون، ولكن قد تحدث المفاجأة في منتصفه!".

الواقعة التي يصفها قنديل وقعت في عهد السلطان الظاهر سيف الدين برقوق(1382- 1389). في تلك الواقعة "اضطربت القاهرة اضطراباً كبيراً، عندما ثبت ظهور الهلال في منتصف النهار. ونادى قاضي الشافعية بالإمساك بعد أن كان الغداء قد وُضِع على الموائد. وأسرع السلطان فطرد مدعويه وأمر برفع الصحاف وتجشأ وأعلن الصيام، ولم يكن باقياً على المغرب إلا عدة ساعات".

 

 

 

معاذ سعد فاروق

 

حفظ لوقت لاحقمشاركة

ثقافة 

مصر

الأربعاء 13 أبريل 202205:24 م

 

تنتشر الأغنيات والقصائد التي تمتدح أجواء رمضان في مصر باعتبارها أجواء مميزة في جمالها وروحانيتها، أو هكذا كانت. فالتحولات السريعة التي مر بها المجتمع المصري على مستويات الاقتصاد والعمران جعلت خرائط المدن وأحوال أهلها تتبدل من حال إلى حال. يستمر تفكيك الأحياء وكتلها السكانية، لا سيما في المناطق الشعبية، في "التطوير" ومن قبله البناء على مساحات وساحات كان يجتمع فيها الصائمون عند إفطارهم، فيما تحيط الأسوار المستحدثة ساحات أخرى، لتطرد مرتاديها وتضع حداً لطقوس رمضانية دامت ممارستها مئات السنين، فتختفي عاماً تلو الآخر تلك الملامح الرمضانية التي كانت لا تخلو من طرائف وعجائب سجلتها كتب التاريخ والآثار، خاصة في عهود المماليك والعثمانيين.

حدث في ليلة الرؤية أن أعلن رجال الدين أن الهلال لم يظهر، وفي المقابل أعلن الوالي وأنصاره الجراكسة أنهم رأوه، وكبر الناس وأضاءوا المشاعل، لكن أحد المشايخ نزل غاضباً وهو يصيح: "اطفئوا المصابيح يا حرافيش، أتصدقون الجراكسة وتكذبون العمائم؟"

هلال منتصف النهار

كانت رؤية هلال شهر رمضان إحدى المشكلات التي واجهت المصريين خلال حكم المماليك (1250 - 1517)؛ كون "الرؤية" شرطاً لكي يقر العلماء والمشايخ ببدء الصيام.

ويرسم الكاتب محمد المنسي قنديل، في مؤلفه "لحظة تاريخ"، صورة لليلة استطلاع الهلال في مصر المملوكية بقوله: "شيوخ الأزهر يجب أن يروه بالعين المجردة، ومعظمهم يعانون من ضعف في الإبصار، وغالباً ما تهب من (المقطم) رياح رملية قاتمة، تجعل الرؤية متعذرة حتى من أعلى المآذن. الهلال يظهر أحياناً واضحاً كأنه سن ضاحك، وأحيانا يبقى غائباً. ويمضي اليوم التاسع والعشرون ويحل اليوم الثلاثون، ولكن قد تحدث المفاجأة في منتصفه!".

الواقعة التي يصفها قنديل وقعت في عهد السلطان الظاهر سيف الدين برقوق(1382- 1389). في تلك الواقعة "اضطربت القاهرة اضطراباً كبيراً، عندما ثبت ظهور الهلال في منتصف النهار. ونادى قاضي الشافعية بالإمساك بعد أن كان الغداء قد وُضِع على الموائد. وأسرع السلطان فطرد مدعويه وأمر برفع الصحاف وتجشأ وأعلن الصيام، ولم يكن باقياً على المغرب إلا عدة ساعات".

 

 

رؤية الهلال، مسألة سياسية

كعادتها على مر العصور، تدخلت السياسة في مسألة رؤية الهلال، وأصبح الناس في حيرة من أمرهم، أيصدقون العلماء أم الجراكسة حتى وصل الأمر إلى أن قسمت القاهرة نصفين، شطر مفطر، والآخر صائم.

هذه الواقعة أيضاً استعرضها الروائي محمد المنسي قنديل في كتابه بقوله: "ولأن الصراعات كانت محتدمة بين من يحكم ومن يعلم، فقد كانت مسألة رؤية الهلال تخضع أحياناً لوجهات النظر، فقد حدث في ليلة الرؤية أن أعلن القضاة الأربعة (أي قضاة المذاهب السنية الأربعة) ومشايخ الأزهر، أن الهلال لم يظهر، وفي المقابل أعلن الوالي وأنصاره من الجراكسة أنهم قد رأوا الهلال من فوق مآذن مسجد المتولي، وكبر الناس وأضاءوا المشاعل واستعدوا للسهر، لكن أحد المشايخ نزل غاضباً وهو يصيح: (اطفئوا المصابيح يا حرافيش، أتصدقون الجراكسة وتكذبون العمائم)".

ظل السلطان مصراً، كان يريد أن يفطر ويحافظ على رضا الشرع. ولم يلن المشايخ، برغم أنهم كانوا يرتعدون خوفاً. وتوعدهم السلطان، وأغراهم الوزير، وزمجر الحراس، ثم اهتدى أحد المشايخ إلى الحل: فليسافر السلطان. السفر عذر شرعي للإفطار

ويشير محمد فتحي عبد العال أيضا في مؤلفه "تأملات بين العلم والدين والحضارة" إلى الواقعة ذاتها، فيروي أن "الناس أطفأوا المشاعل، لكن الجراكسة عادوا ومعهم مزيد من الجند، وأصروا على أن الغد هو اليوم الأول من رمضان، فأوقد الناس المشاعل مرة أخرى، وتوافد المشايخ من كل الأروقة، قائلين: ‘أيعلمنا الجراكسة أمور ديننا؟’، فأطفأها الناس للمرة الثانية، وأمسك أحد الحراس بذقن أحد المشايخ فضربه الشيخ بالمركوب، واشتبكت الأيدي وأوقد الناس المشاعل وأطفأوها عدة مرات، ثم صعدوا جميعاً إلى القلعة يحتكمون بين يدي السلطان".

أصبح السلطان في حيرة من أمره، ووفقاً لمؤلف "لحظة تاريخ"، نظر إلى الجراكسة الغاضبين، وإلى الشيوخ بعباءاتهم الممزقة، وإلى السماء المظلمة الخالية من أي أثر، وكان الموقف حرجاً، لا يوجد هلال، لكنه لو خذل الجراكسة فسوف يخذلونه، بينما المشايخ مقدور عليهم، لذلك قد قرر قراره وأعلن أنه أيضاً قد لمح الهلال، وباتت القاهرة مقسومة: صائمة ومفطرة.

السلطان يطلب الفتوى للإفطار

وكان من أشد الأحداث غرابة في رمضان، ما وقع في عهد السلطان الأشرف زين الدين أبو المعالي (1363 – 1377) الذي حيّر العلماء والمشايخ بطلبه فتوى لإفطار الشهر الكريم، بحجة أنه ضعيف ولا يقوى على الصيام.

يقول محمد فتحي عبد العال: "في صبيحة اليوم الأول من رمضان استدعى السلطان الأشرف أبو المعالي، العلماء والمشايخ على عجل، ودخلوا فوجدوه جالساً متجهماً فوق العرش، ووزيره (منجك) بجانبه، وأحسوا بالخوف والحيرة، فظلوا صامتين، وأخيراً تكلم الوزير بهدوء ورزانة قائلاً: السلطان يريد فتوى لإفطار رمضان".

فوجئ القضاة بحديث الوزير، وتبادلوا النظر وعيونهم تنطق بسؤال لا تجرؤ ألسنتهم على النطق به: "وهل يحتاج المفطر إلى فتوى؟". لم يتكلم أحد، وخيّم الصمت حتى قطعه صياح السلطان الغاضب: "هيه يا مشايخ، ماذا تقولون؟".

يكمل المنسي قنديل رواية الواقعة نفسها في كتابه: "تنحنح المشايخ، وبدأ القاضي المالكي بسرد أحكام الصوم ومبيحات الإفطار بصورة عامة، لكن لم يفهم منها أنه لا يوجد في حالة السلطان ما يبيح الإفطار، وهتف السلطان في قوة: ‘أنا مريض يا مشايخ، ضعيف’، وتدخل الوزير ليحاورهم، لكن أحداً منهم لم يستطع أن يقتنع بجدوى حاجة أبو المعالي إلى فتوى كاذبة، إذا كان يريد أن يفطر فليفطر!".

ويؤكد قنديل أن السلطان برغم ذلك ظل مصراً، كان يريد إفطاراً يرضى عنه الشرع. ولم يلن المشايخ، "برغم أنهم كانوا يرتعدون خوفاً. وتوعدهم السلطان، وأغراهم الوزير، وزمجر الحراس، ثم اهتدى أحد المشايخ إلى الحل: فليسافر السلطان. السفر عذر شرعي للإفطار. وصاح أشرف أبو المعالي ووزيره من شدة الانبساط، وفي اليوم التالي أعُلن أنه سيسافر لتفقد قلاع الإسكندرية ودمياط ثم يرحل بعد ذلك إلى الشام".

ظل السلطان يصيح: "لا عيد يوم الجمعة"، إذ شاع أن السلطان إذا دُعِي له مرتين في يوم جمعة (مرة في صلاة العيد ومرة في صلاة الجمعة) يزول ملكه. إلا أن الليلة كانت داكنة ولم يظهر الهلال، وصام الناس الخميس وعيّدوا الجمعة، ودعوا للخليفة مرتين ودعوا على السلطان مرتين فاستجاب الله الدعاء!

أريد أن يكون العيد غداً!

الوقائع السابقة كانت مع بداية شهر رمضان، لكن تجدر بنا الإشارة هنا إلى واقعة أخرى وقعت في نهايته، لا تقل غرابة عما ذكر آنفاً، أثناء حكم سلطان مملوكي آخر هو الناصر أبي السعادات (1482 - 1498).

يكنب قنديل تفاصيل هذه الواقعة: "في اليوم التاسع والعشرين [من رمضان] اشتد الحر، وعز وجود السقائين، وتكالب الناس على الزوايا والجمال، حتى تعاركوا بالعصى، وفي وسط هذا التوتر أمر السلطان أن تدق (الكؤوسات) في القلعة، وصاح فيمن حوله: ‘أريد أن يكون العيد في الغد من هذا الشهر، سواء رأوا الهلال أم لم يروه’".

أشيع هذا التهديد بين الناس، فركب قاضي القضاة الشافعية بغلته (دابة مثل الحمار) وصعد إلى القلعة، وأبلغه أن العيد لا يجوز إلا إذا تمت رؤية الهلال في تلك الليلة، لكن السلطان كان مصراً حتى إنه همّ بعزل القاضي. إذ لم يكن يريد للشهر أن يتم.

والسؤال هنا لماذا لم يرد الناصر أبي السعادات أن يتم شهر رمضان؟ هذا ما أجاب عنه قنديل بصورة توحي بمعتقدات غريبة كانت في رؤوس السلاطين آنذاك. يقول: "لأنه لو تم فسوف يكون يوم الجمعة هو أول أيام العيد، وسوف يُدعى للخليفة من فوق المنابر مرتين، مرة في خطبة صلاة العيد، ومرة في خطبة صلاة الجمعة، والدعاء للخليفة مرتين علامة على نهاية السلطان، هكذا يعتقد كل الناس، ويعتقد أبو السعادات نفسه".

وبحسب الكاتبة وداد الكواري في مؤلفها "كما تحب: رسائل أدبية"، ظل الناصر أبي السعادات يصيح: "لا عيد يوم الجمعة"، لكن القاضي كان مصمماً على أنه لا بد من رؤية الهلال، وصعدوا جميعاً إلى أعلى جزء في القلعة، و"انتقى السلطان من رجاله أحَدّهم بصراً وبثهم في كل مكان، فوق مآذن الأزهر وجامع المؤيد والمقطم وجلسوا يترقبون والسلطان يقضم أظافره والليلة مظلمة، داكنة، ولم يظهر الهلال، وصام الناس الخميس وعيّدوا الجمعة، ودعوا للخليفة مرتين ودعوا على السلطان مرتين فاستجاب الله الدعاء!"

 

حيلة العفو لاجتثاث المعارضين

وكانت هناك عادة لدى سلاطين المماليك، هي إعتاق ثلاثين عبداً في رمضان، والإفراج عن بعض المساجين، إلا أن تطبيق العفو لم يكن دوماً على نفس الوتيرة لدى جميع السلاطين، فقد استخدمها بعضهم للقضاء على معارضيه، مثل الناصر فرج بن برقوق.

تفاصيل هذه الواقعة، أوردها المؤرخ يوسف بن تغري بردي، في كتابه الأشهر "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة": "ثم إن السلطان نادى في أول شهر رمضان من سنة أربع عشرة وثمانمائة في القلعة بالأمان، وأنهم عتقاء شهر رمضان، ثم تتبعهم بعد الأمان وأمسك منهم جماعة كبيرة، حتى إنه لم يخرج الشهر (ينتهي) حتى أمسك منهم أزيد من أربعمائة نفر وسجنهم بالبرج من القلعة".

اعتبر السلطان أن  قدوم رمضان فرصته للتمتع ببعض الحرية، حيث انشغال الناس بالصيام والاحتفالات. واعتاد أن يصدر أوامره لكبار رجال الدولة في رمضان ألا يحضروا إلى قصره حتى ينتهي الشهر، "ويتسنى له اللعب بالحمام مع أوباش الناس"

لم تتوقف مهازل السلطان المذكور عند هذا الحد، وإنما بحسب بن تغري بردي: "ذبح في ليلة ثالث شوال أزيد من مائة نفس من المماليك السلطانية الظاهرية المحبوسين بالبرج، ثم ألقوا من سور القلعة إلى الأرض، ورموا في جب مما يلي القرافة، واستمر الذبح فيهم".

ويشير مؤلف كتاب "تأملات بين الدين والعلم والحضارة" إلى أن السلطان فرج ابن برقوق كان يغافل المماليك المختلفين معه، وكلما ظهرت مجموعة كان يقبض عليها في سرية تامة، دون إشعار الآخرين، ونقل عن "المقريزي" قوله: "إنه لم يمض الشهر الكريم إلا وكان أكثر من أربعمائة مملوك في السجن"

الحمام يمنع آذان العصر

واقعة غريبة وطريفة أخرى وقعت في رمضان، كان بطلها السلطان حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون (1331 - 1347)، وتتصل بتربية الحمام. فقد اعتبر السلطان أن  قدوم الشهر فرصته للتمتع ببعض الحرية، حيث انشغال الناس بالصيام والاحتفالات. واعتاد أن يصدر أوامره لكبار رجال الدولة في رمضان ألا يحضروا إلى قصره حتى ينتهي الشهر، "ويتسنى له اللعب بالحمام مع أوباش الناس".

وبحسب محمد فتحي عبد العال، كان السلطان "يتعرى ويلبس ثياب جلد ويصارع أوباش الناس".

ويصف ابن تغري بردي حالة حاجي بن الناصر بن قلاوون، فيقول: "أعاد حضير الحمام (مقامرة على سباق الحمام) وأرباب الملاعيب من الصراع والثقاف والشباك، وجري السعاة، ونطاح الكباش، ومناقرة الديوك والقمار، وغير ذلك من أنواع الفساد، ونودي بإطلاق اللعب بذلك بالقاهرة، وصار للسلطان اجتماع بالأوباش وأراذل الطوائف من الفراشين والبابية ومطيري الحمام، فكان السلطان يقف معهم ويراهن على الطير الفلاني والطيرة الفلانية".

ويصور المؤرخ الكبير الحالة التي وصل إليها السلطان بقوله: "بينما هو ذات يوم معهم (أوباش الناس) عند حضير (مقامرة) الحمام، أذن العصر بالقلعة والقرافة، فابتعد الحمام وتطاير، فغضب وبعث إلى المؤذنين يأمرهم أنهم إذ رأوا الحمام لا يرفعون أصواتهم (أي يرفعون الأذان). وكان يلعب مع العوام بالعصى، ويصارع معهم بالرمح والكرة، فيظل نهاره مع الغلمان والعبيد، وصار يتجاهر بما لا يليق به أن يفعله".

"أجهل من حمار"

ومع انهيار الحكم المملوكي، واستيلاء العثمانيين على مصر، وقعت أحداث مؤسفة، منها ما ذكره محمد فتحي عبد العال: "العثمانيون أوكلوا إلى قاضي حنفي تركي مهمة استطلاع الهلال، وبحسب المؤرخ ابن إياس  فقد كان القاضي جاهلاً بالقواعد الفقهية المنظمة لاستطلاع الهلال، حتى وصفه معاصروه بأنه كان (أجهل من حمار)".

وقد شهد استطلاع هلال شهر رمضان لعام 924 هـ (الموافق 1518 ميلادية) في بدايات حكم العثمانيين تخبطاً في تحديد أول أيام الصيام وأول أيام عيد الفطر، حتى أن أهالي الأسكندرية ودمياط صاموا قبل سكان القاهرة بيوم، وقد ذكر ابن إياس أن "الناس في مصر المحروسة (القاهرة) صاموا يوم السبت، بينما صام أهالي الأسكندرية ودمياط يوم الجمعة. ولم يعلم الناس بهذا الخطأ إلا بعد انقضاء أيام العيد".

وعندما علم الناس بالأمر، هاجم الشعراء القاضي التركي، فقال أحدهم:

يا قاضياً بات أعمى

عن الهلال السعيد

أفطرت في رمضان

وصمت في يوم عيد

ومن عجائب شهر رمضان في العالم

1-اختلاف ساعات الصيام

لقد بدأ نحو 1,5 مليار مسلم في العالم الصيام وكان الفارق بين أكثر أيام الصيام وأطولها على مستوى العالم يصل إلى 10 ساعات ولكن على مستوى الدول العربية يصل لساعتين والسبب في ذلك:

 -الموقع الجغرافي وقربه من خط الاستواء لأن الدول القريبة من خط الاستواء يقل فيها عدد ساعات الصيام والعكس، البعيدة يزيد فيها ساعات الصيام.

2-أطول ساعات صيام في العالم

تحتل دول السويد، النرويج، الدانمارك، آيسلاندا المرتبة الأولى في أطول ساعات صيام في العالم حيث تبلغ 22 ساعة.

تليها ألمانيا  17 ساعة صيام والولايات المتحدة الأمريكية  16 ساعة.

أما بالنسبة للدول العربية تأتي الجزائر في المرتبة الأولى بعدد ساعات صيام 30, 16 ساعة، ثم سوريا ولبنان والأردن والعراق والمغرب 16  ساعة صيام.

أما الصومال فهي من أكثر البلاد العربية في ساعات الصيام حيث تبلغ 30, 14 ساعة.

وعلى الصعيد العالمي تأتي الأرجنتين أقل عدد في ساعات الصيام 10 ساعه.

قرية عمانية لا يصوم أهلها إلا 3 ساعات

اسمها(وكان) قرية جبلية صغيرة ترتفع 2000 متر عن سطح البحر 

تشرق الشمس فيها 11 صباحا وتغرب30, 2ظهرا

3-فانوس رمضان

أحد المظاهر الشعبية في مصر ويعتبر من الفنون الفلكلورية التي حازت على اهتمام عامة الشعب. وقد ارتبط الفانوس بشهر رمضان المبارك حتى تم تحويله لقطعة ديكور في المنزل.

يظل الفانوس رمز خاص بشهر رمضان ويقوم الأطفال بحمل الفوانيس والخروج إلى الشوارع وهم يغنون حتى أنه أصبح من معالم الشهر الكريم فهو يستخدم في البيوت والمساجد أيضا. فانوس رمضان هو مصدر بهجة للكبير والصغير ويسبب حالة من الفرح والسعادة لنا جميعا في استقبال شهر رمضان المبارك.

4-مدفع الإفطار

هو تقليد متبع يستخدم كإعلان عن موعد الإفطار في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية حيث يقوم جيش البلد بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية عند غروب الشمس معلنه موعد الإفطار.

5-المسحراتي

كلمة المسحراتي مشتقة من كلمة سحور، المسحراتي هي وظيفة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور .

المسحر يقوم قبل صلاة الفجر يحمل في يده طبلة وعصاه ينقر عليها بصوت مرتفع (اصحى يا نايم وحد الدايم)

أول من قام بهذه المهمة هو بلال بن رباح بصحبة ابن ام كلثوم وكانا يقومان بمهمة إيقاظ الناس .

عجائب رمضان في موسوعة جينيس

من عجائب رمضان التي سجلت في موسوعة جينيس ما يلي:

1-أطول مائدة إفطار

وكانت من نصيب إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة وتم تنظيم هذه المائدة في مهرجان رمضان الشارقة.

طولها 600 متر وأقيمت على كورنيش بحيرة خالد بتاريخ 20 يوليو 2013 .

2-أقدم مدفع إفطار 

سجل باسم جمهورية مصر العربية وهو مدفع إفطار (الحاجة فاطمة)

و يعود أسمه على أسم الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل وكانت تحب الخير والعلم فقد تبرعت بكامل أرضها لا نشاء جامعة القاهرة ومجوهراتها لتكاليف البناء.

أما قصة المدفع فقد كان الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع القديمة فانطلقت قذيفة وقت أذان المغرب فاعتقد عامة الناس انه تقليد جديد إيذانا بموعد الإفطار فذهبوا لتحية الخديوي على ذلك ولما علمت الحاجة فاطمة ، تم إصدار فرمان ليتم استخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية ويبلغ عمر المدفع 140 سنة.

3- أول إمساكية في العالم

تعتبر أقدم وأول إمساكية شهر رمضان في العالم والتي تم طباعتها في مصر في عهد محمد علي باشا ويعود تاريخ أول إمساكية إلى شهر رمضان 1262 هجرية سبتمبر 1846 ميلادية.

وتم طباعتها في مطبعة بولاق القاهرة مصر وتم طباعتها على ورقة صفراء ذات زخرفة بعرض 27 سم وطول 16 سم وأرفق معها صورة محمد علي باشا.

تسع معجزات يحققها صيام شهر رمضان

1-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب فإن لم يجد فبعض من التمر فإن لم يجد فبعض من الماء.

السكر الموجود في التمر يشعر الأنسان بالشبع لأنه يصل للدم في دقائق ويعطي الانسان الطاقة اللازمة لممارسة نشاطه الطبيعي.

2-الصيام هي الوسيلة الفعالة لطرد السموم المتراكمة من الجسم حيث يتم تنظيف القناة الهضمية من الجراثيم خلال أسبوع واحد من الصيام.

3-أن قيمة الصوم تظهر في تجديد حيوية الجسم ونشاطه.

4-إن الصوم بالامتناع عن الطعام والشراب والجماع أمان من الأخطار الصحية.

5-أثبتت الأبحاث أهمية وجبتي الإفطار والسحور في إمداد الجسم بالأحماض الأمينية وبدنوهما يتحلل الدهن في الجسم ويؤدي ذلك للإصابة بأمراض خطيرة.

6-أثبت البحث العلمي أن زمن الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع عدم الإسراف في الطعام وقت الإفطار، وهي الفترة المناسبة للصيام من 12 ساعة إلى 18 ساعة حتى لا يتعرض جسم الإنسان لأي مخاطر صحية نتيجة نفاد مخزون السكر.

7-أكدت الدراسات البحثية أن جسم الإنسان يحتاج إلى الصيام مدة 4 أسابيع في السنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طول حياته.

8-الصيام من أجل صحة جيدة حيث يوفر الجسم بفضل الصوم الجهد والطاقة المخصصة للهضم ويستخدمها في نشاطات اخرى مثل التئام الجروح ومحاربة الأمراض.

9-الصيام يساعد الجسم في تأدية وظائفه الحيوية مثل امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء وتحسين وظيفة الهضم والامتصاص مع تجميل وتنظيف الجلد وإعادة الشباب والحيوية إلى خلايا الجسم المختلفة.

لم يعد رمضان شأنا محليا إسلاميا أو عربيا بل أصبح شأنا كونيا من خلال اتساع العمليات التجارية أو من خلال ارتفاع عملية الاستهلاك الغذائي المرتبطة بالمسلمين في جميع أنحاء العالم.

شهر رمضان هو أفضل الشهور الذي نزل فيه القرآن الكريم، هو شهر المغفرة والرحمة وتكفير الذنوب وهو شهر العتق من النار.

شهر رمضان هو شهر الكرم والبركة والخير يزداد في كل شيء من طعام وشراب ورزق

على مدار الساعة

فيديو