عاصفة تعيق النزهة الإيرانية / أيمن الصفدي

اثنين, 03/30/2015 - 12:53

على اللافعل العربي راهنت إيران وهي تتوغل في اليمن بغية إحالته منطقة نفوذٍ وورقة ضغطٍ جديدة في بلاد العرب. ظنّت "فرسنة" القرار السياسي اليمني نزهةً نحو تكريس نفوذٍ يتنامى في جوارٍ عربيٍ بان عاجزا عن مواجهتها. ولم لا؟ استباحت لبنان وسورية والعراق قبلذاك ولم تُواجه إلا ببيانات إدانةٍ ونداءاتِ تصالحٍ عاجزة. تفرعنت إيران في بلاد العرب لأنها لم تجد من يردُّها.

إلى أن هبّت عاصفةُ الحزم.

للمرة الأولى منذ عقودٍ يواجه العرب التوسعية الإيرانية بفعلٍ قادرٍ على وقفها. وهذا تطورٌّ يعكس مجموعة متغيرات، مرتبط بعضها بتمادي إيران في عنجهيتها، التي وصلت حدَّ تبجُّح بعض قياداتها أنّ عديد عواصم عربية صارت توابع تدور في فلكها. والبعض الآخر مرتبطٌ بإدراك العرب الثمن المتعاظم للافعل الذي قوّض بلادهم فريسةً لظلاميةٍ إرهابية، وهيمنةٍ إيرانية، وأطماعٍ أردوغانية، بينما توظف إسرائيل كل ذلك لوأد حق الفلسطينيين في الدولة والاستقلال.

رأت قياداتٌ شابةٌ في السعودية الخطَر يتموضع في خاصرتها ليهدّدها والخليجَ العربي، فتحركت بفاعلية فاجأت إيران، ودشّنت بداية نهجٍ جديدٍ في المقاربات السياسية والأمنية. وكان التحرك عربياً شمل دولاً خليجيةً وغير خليجية، رسالةً أنّ المواجهة ليست مع السعودية، بل هي إيرانية عربية حماية للأمن القومي العربي.

لم تكن هذه المواجهة ضرورية. لكنها معركة فرضتها إيران. والواقع الجغرافي والعسكري والديمغرافي في اليمن يقول إنّ الأدوات الإيرانية محدودة. أدواتها الحوثية أقليةٌ عددية. وقدرة إيران على تزويدها السلاح والمال تضيق. ما يعني أن معركة إيران خاسرة. لكن الواضح أنها لا تأبه بهذه الخسارة، لأنّ الثمن سيدفعه اليمنيون موتاً وانقساماً وتدميراً لبلدهم.

وهذا ما لا يريده العرب. فهدف عاصفة الحزم حماية اليمن وشرعيته. ومن هنا ترافق الإعلان عن الحملة العسكرية لوقف التوغّل الحوثي مع دعوةٍ لكل أطراف النزاع اليمنيين الجلوس الى طاولة الحوار.

إقصاء الحوثيين ليس هدفا. الهدف وقف عدوانهم ودفعهم نحو عمليةٍ سياسيةٍ تضمن حقوقهم في مواطنة كاملة في دولة آمنة مستقرة.

رد الفعل الحوثي حتى اللحظة لا يبشر بتغير إيجابي في موقفهم. والحوثيون في ذلك يطيلون أزمةً لن تنتهي لصالحهم. فليس هناك ما يجنونه من حربٍ لا يستطيعون كسبها. في إطالتها تعميقٌ للانقسام وزيادةٌ في الدمار يغذي شعاراتية إيران على حساب بلدهم ومستقبلهم. إن استوعبوا ذلك وجنحوا للسلم حموا بلدهم وتصالحوا مع مواطنيهم. إن لم يفعلوا ألقوا بلدهم في أتون فوضى تخدم إيران على حساب مستقبل أبنائهم.

إيران لن تهتم لدمار اليمن ولن تأسف على حليفها الحوثي. فاليمن بالنسبة لها ورقةٌ تفاوضيةٌ تستغلّها لانتزاع تنازلاتٍ في ملفاتٍ أخرى تتقدم سلم أولوياتها. وستتخلى إيران عن الحوثيين إن حصلت مقابل ذلك من الولايات المتحدة على تنازلاتٍ في الملف النووي تشمل تخفيفاً للعقوبات، وربما أُخرى في سورية والعراق.

تاريخ إيران الحديث في المنطقة صفحاتٌ من الشعاراتية التي تتغذى من دماء العرب. اليمن هو الصفحة الجديدة في هذا التاريخ، الذي ما تزال تداعياته تتجلى في لبنان شللاً للدولة، وفي سورية نزيفاً للدم، وفي العراق انقساماً مذهبياً وصراعاً مقيتين تسلّل منهما الجهل والظلامية الإرهابية.

تبِع هبوب عاصفة الحزم قرارٌ عربيٌ بإنشاء قوةٍ دفاعيةٍ مشتركة. وتلك خطوةٌ ضرورة يجب أن تذهب إلى مداها الأقصى تنسيقاً أمنياً وسياسياً وعسكرياً. ويجب أن تستهدف درءَ كل الأخطار، وعلى رأسها الإرهاب والاقصائية السياسية والداء المذهبي في سورية والعراق واليمن مهما كان الثمن، لأنه سيتعاظم كل ما تأخّر الحل.

الحرب في اليمن، كما الحرب ضد الإرهاب وضد الهمجية الأسدية، حربنا العربية لأنها، للأسف، السبيل الوحيد لحماية مستقبل العرب، والحؤول دون المزيد من الضياع والانهيار.

 

 

على مدار الساعة

فيديو