ظاهرة الموالاة و المعارضة "علي حرف"

خميس, 07/02/2015 - 16:01
المختار ولد داهي ، سفير سابق

تعرف السياسة أصلا بأنها " المهنة النبيلة" التي لا يمارسها و يوفق فيها إلا من يمتلك مؤهلات "وهبية" من القيادة و الكارزمية و الجاذبية و الخطابة و الإيثار و الإقدام و التضحية و "شيئ من التقاليد التراكمية،"... إضافة إلي مؤهلات كسبية من التعلم و موسوعية الثقافة و الاضطلاع علي تجارب الآخرين و الصبر علي أذي المسار السياسي و نصبه و مشقته و سرعة الاستجابة الإيجابية و الأخلاقية لأجراس المستجدات وللطوارئ غير المبرمجة.. 
والسياسة اليوم تعاني عالميا من شيئ من "فساد الإسم الإعلاني في سوق الرأي العام" لا لعيب أصلي فيها و إنما بفعل تراكم الممارسات السلبية لمتعاطي " فرع غير شرعي" من السياسية سمي لاحقا"السياسة المتسيسة" la politique politicienne- -gutter politics و التي من تعاريفها ممارسة السياسة لتحقيق أغراض ضيقة أو توظيف مراتب الشأن العام لتحقيق الشأن الخاص أو اتخاذ وسائل "غير نظيفة" لتحقيق مآرب سياسية..
و في بلادنا عانت السياسة خلال الحقب السياسية الماضية من هجوم شرس في لبوس "كزرة" و"احتلال غير شرعي" للشأن السياسي من طرف جيش من فاقدي"الحظوة الوهبية" و " الأهلية العلمية"الذين شجعهم علي الممارسة السياسية انهزامية الكثير من النخب الفكرية و أولي التجربة النضالية و سعي بعض دوائر "بطانة المكر السيئ" التي لا تري أبعد من مواقع أقدامها إلي تدجين و "ترويض" و تمييع و "عقم" المشهد السيلسي.
و قد أدي تعاظم الدور السياسي لهؤلاء الذين يمكنهم أن نصفهم وصفا ناعما(رمضانيا)" بالسياسيين الجدد" إلي الحاق كبير الأذي و الضرر بسمعة و هيبة الممارسة السياسية حين أشاعوا في المجتمع ثقافة "الموالاة و المعارضة علي حرف" و ما تمخض عنها من النفاق و التزلف و "الغيبة السياسية"و الحربائية و "مناخية الولاء" و الانتجاع السياسي و نحو ذلك مما يحرمه الشرع وترفضه المروءة و ينفر منه الذوق السليم...
و جدير بالتسجيل و التنبيه أن محاربة المعارضة و الموالاة علي حرف عرفت تطورا مهما عبر التقدم الكبير في مجال مكافحة الترحال و انتجاع الكلإ السياسي بالنسبة للمنتخبين ( نوابا و شيوخا و عمدا و مستشارين محليين) و ذلك من خلال نتائج الحوار السياسي 2001 ( تحريم الترشح المستقل، تقنين ملكية المقعد الانتخابي للحزب لا للشخص الذي يفقد المقعد الانتخابي حين سقوط عضويته من الحزب،....) 
و هي إصلاحات ساعدت في استقرار المشهد السياسي البرلماني خصوصا و ساهمت دونما شك في تقوية المعارضة الديمقراطية من خلال كبح رغبة بعض نواب المعارضة في التسرب إلي الأغلبية و صد جنوح بعض نواب أحزاب الأغلبية إلي التسلل إلي الحزب الحاكم و الرابح الكبير من تلك الإجراءات هو الديمقراطية الموريتانية و يعود الفضل في ذلك إلي جميع أطراف الحوار السياسي الماضي من دون استثناء و إن علي تفاوت . 
ذلك أن اعتقادي أن كبير الفضل يعود لطرف النظام حيث أن تلك الإصلاحات كانت لفائدة المعارضة أكثر منها لصالح الموالاة و ندر في الزمن العربي القريب و الحاضر أن يقبل نظام سياسي قائم -طوعا لا غلابا- بالحوار السياسي أحري أن تكون مخرجات ذلك الحوار تعزز مكانة المعارضة و تخصم من رصيد الموالاة و هو جهد يذكر فيشكر و يؤجر و إن كان تعزيزه و إكماله يطلب و يرغب و ينتظر... 
و سعيا إلي تعزيز محاربة ثقافة الموالاة و المعارضة علي حرف فإن إجراءات أخري يتعين اتخاذها من أجل محاربة الانتهازية السياسية لعدد غير قليل من غير المنتخبين من فئتي قيادات الأحزاب السياسية و الموظفين السامين الذين يوالون و يعارضون علي حرف فإذا كانت مصالحهم العاجلة متحققة أو مؤملة التحقق في النظام كانوا "نمور موالاة" و إن هم استيأسوا و قنطوا من عطف و وداد النظام كانوا "صقور معارضة" . 
و في تقديري أن الاقتراحات التالية قد تساهم في تثبيت الاستقرار السياسي و استعادة طهارة العمل السياسي و استكمال جهود محاربة"السياسة الحرفية": - 
أولا: إعداد مدونة أخلاقية حزبية طوعية تلتزم من خلالها شخصيات المكتب القيادي لأي حزب بعدم شق عصا الحزب أو الانسحاب العلني منه أثناء العهدة الانتخابية حيث أنه ما دام المنتخبون التابعون للحزب يعسر عليهم فك الارتباط به خلال العهدة الانتخابية فيجدر أن تحذو حذوهم القيادات الحزبية من الصف الأول و في الحالات الاستثنائية و استحالة العمل المشترك للقيادات الحزبية يكون أقصي ما يمكن اللجوء إليه تجميد العضوية؛ 
ثانيا: حظر انتساب أو تأسيس القيادات الحزبية العشرة الأوائل التي قد تنسحب من حزب ما لأي حزب آخر خلال فترة تربص لا تقل عن 18 شهرا و ذلك تحفيزا للاستقرار السياسي و محاربة للترحال و الانشطار الحزبي الذي أضر كثيرا بسمعة الأحزاب السياسية الوطنية؛ 
ثالثا: تحريم تعيين الوزراء السابقين و من في رتبهم المنتمين إلي حزب ما و المنسحبين منه في وظائف عمومية باعتبارهم قادة أو ناشطين من حزب آخر خلال فترة تربص لا تقل عن ثلاثين شهرا و ذلك ترسيخا للمأسسة الحزبية فالأحزاب هي المدرسة الأولي للديمقراطية فإذا رسخت الثقافة الحزبية نمت الديمقراطية و نضجت و أينعت أمنا و تنمية و استقرارا... 
و إن قال قارئ إن هذه الاقتراحات جريئة وطموحة و غير قابلة للتنفيذ و ما سبقنا بها من أحد من دول العمق و لا الجوار فردي عليه أن هل حرام أن يأتي" المتأخرون" بما لم يستطعه الآولون؟

المختار ولد داهي، سفير سابق
خبير تقييم السياسات العمومية

 

على مدار الساعة

فيديو