هل تطالب موريتانيا والسينغال الشركة المعنية تعويضا عن بطء العمل فى حقل غاز السلحفاة

سبت, 04/30/2022 - 14:09

وقَّعت الحكومة الموريتانية مع نظيرتها السنغالية، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2018، اتفاقًا نهائيًّا يقضي بتقاسم حقل الغاز المشترك بين البلدين، وتمثل هذه الخطوة توجهًا جديدًا في الشراكة الاستراتيجية بين بلدين اتسمت علاقتهما الدبلوماسية بالكثير من الشد والجذب على مدار ثلاثة عقود مضت. وسيشكل هذا الاتفاق فرصة للبلدين لتأمين آليات التنقيب والاستغلال للثروة الغازية المشتركة مما يضمن تحييد الخلافات التي قد تنشأ عن تسيير هذا الملف، كما أنه سيسهم في تعزيز مكانة البلدين كقطب اقتصادي فاعل في المنطقة مع بدء تصدير أولى شحنات الغاز سنة 2022.

ملامح الاتفاق: فوائد مجزية

وقَّعت الحكومتان، الموريتانية والسنغالية، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2018، في نواكشوط اتفاقيات جديدة للغاز وهي الاتفاقيات النهائية والضرورية قبل بدء الاستغلال بحلول عام 2022 من حقل "أحميم-السلحفاة الكبير" البحري على الحدود بين البلدين. وتتضمن تفاصيل الاتفاق الموقع بين الطرفين فرض الضرائب على مشغِّلي المشروع وتمويل الشركتين الوطنيتين (الشركة السنغالية للنفط والشركة الموريتانية للمحروقات)، وآليات تسويق الغاز الطبيعي المسال.

ولم يقتصر التوقيع على موريتانيا والسنغال فقط فقد وقَّعت شركتا بريتش بتروليوم (BP) البريطانية، وكوسموس إنرجي الأميركية (KOSMOS ENERGY) على الاتفاق بوصفهما المستثمريْن الرئيسييْن في المشروع، وبهذا التوقيع تكون الشركتان الاستثماريتان وشركاؤهما قد اتخذوا القرار الاستثماري النهائي للمرحلة الأولى من حقل السلحفاة الكبير/أحميم، ويتكون المشروع من منصة عائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ تعالج الغاز وتزيل المكونات الهيدروكربونية الثقيلة ووحدة التسييل العائمة للغاز الطبيعي.

ومن المتوقع أن يبدأ بناء منشآت التشغيل في أوائل عام 2019 وسيتم تسليم أول متر مكعب من الغاز في عام 2022. ووفقًا لشركة بريتش بتروليوم فمن المتوقع أن ينتج المشروع ما متوسطه 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًّا في مراحله الأولي.

ويأتي اتفاق ديسمبر/كانون الأول 2018 تكملة لاتفاقية التعاون الدولي الموقعة في فبراير/شباط 2018 حول استغلال حقل غاز السلحفاة الكبيرة/أحميم، الذي يبلغ عمقه 2700 متر، في حين يبلغ احتياطيه 450 مليار متر مكعب، أي ما يمثل حوالي 15% من احتياطيات غاز نيجيريا(1).

وتُقدر احتياطات الحقل بـ25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة في هذه المنطقة، وتمتاز السوق الجديدة للغاز المسال بميزات(2) عديدة تجعلها مفضَّلة للمنتجين والمسوقين الكبار في السوق الدولية مما يغريهم بشكل أكبر بالاستثمار في منطقة الاكتشافات الجديدة، ومن هذه الميزات :

- الجودة والنقاوة.

 - سهولة الاستخراج، وبالتالي رُخص التكلفة.

- أن منطقة الغاز قريبة جدًّا من أوروبا وأميركا الأكثر استهلاكًا للمادة.

وبتقديرات أولية يُتوقع أن تكون عائدات الغاز على البلدين خلال العقد الأول من الإنتاج حوالي أربعة عشر مليار دولار فضلًا عن الفوائد الأخرى الناتجة عن حجم استثمار الشركات والتي ستمس الجوانب الاقتصادية والاجتماعية؛ فشركة كوزموس إنرجي التزمت بموجب الاتفاق بتدخل اجتماعي بقيمة استثمارية تصل 30 مليار دولار في مجالي التعليم والصحة في الدولتين، ويتوقع أن تحظى موريتانيا منها بألف ومئتي مدرسة وثلاثين مستشفى.

ومن الفوائد الاقتصادية الأخرى توفير آلاف فرص العمل المباشرة، فضلًا عن استفادة البلدين من إنتاج الكهرباء من الغاز لغرض الاستهلاك الداخلي وحتى التصدير الخارجي.

تحول في اتجاهات الاستثمار والمستثمرين

بات قطاع المحروقات والغاز منه على وجه التحديد يستأثر بنصيب الأسد من اهتمام المستثمرين الأجانب في البلدين على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك على حساب الوجهات الاستثمارية التقليدية، فقطاع المناجم والحديد بموريتانيا مثلًا، والذي كان الوجهة الأولى للمستثمرين من قبل، شهد تراجعًا كبيرًا في سجل اهتمامات المستثمرين لصالح قطاع الغاز، وذلك رغم الجهود التي بذلتها السلطات الرسمية على مدار الأعوام الأخيرة لتحسين مدونة القطاع المنجمي لكي تكون أكثر جاذبية للاستثمار في بلد يعتبر قطاع المعادن من أهم ركائزه الاقتصادية(3)؛ حيث يسهم في الناتج المحلي الخام بنسبة 30% بالإضافة لتوفير أكثر من 9 آلاف وظيفة دائمة و8 آلاف وظيفة غير دائمة، كما يمثل أكثر من نصف عائدات صادرات موريتانيا السنوية.

وتشير حركة الأنشطة الاستثمارية في موريتانيا على مدار السنوات الأخيرة، إلى تصاعد كبير في أنشطة الشركات المهتمة بالغاز بموريتانيا، ومن أبرز هذه الشركات:

1 - شركة بريتش بتروليوم البريطانية: تعتبر هذه الشركة البريطانية أهم مستثمر أجنبي بمجال الغاز بموريتانيا، وتمتلك الحصة الرئيسية بحقل الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال. وقد دخلت الشركة في شراكة مع شركة كوزموس إنرجي الأميركية، وذلك بتوقيع اتفاق يسمح باستغلال بعض المقاطع لحقول الغاز في السنغال وموريتانيا في المياه العميقة.

وينص الاتفاق على أن تعمل الشركة البريطانية على استغلال أربعة مقاطع رئيسية بحقل السلحفاة الكبير/أحميم للغاز، وتُقدر احتياطيات الحقل بحوالي 15 تريليون قدم مكعب.

وتصل حصة بريتش بتروليوم نسبة 62% من عقود الشراكة مع موريتانيا، في حين تصل حصتها 60% من عقود الشراكة مع الجانب السنغالي، وتصل حصة موريتانيا والسنغال إلى 10% فقط لكل منها بينما يتوزع الباقي بين شركات أخرى من أهمها كوزموس إنرجي.

2 - كوزموس إنرجى: تعتبر شركة كوزموس إنرجي الأميركية صاحبة السبق في مجال الاكتشافات النفطية، حيث كانت هذه الشركة أولَ جهة تعلن عن وجود كميات كبيرة من الغاز في السواحل الموريتانية-السنغالية سنة 2015. وقد استعانت بها شركة "بريتش بتروليوم" بعد انسحاب شركة شيفرون من أعمال التنقيب عن الغاز بموريتانيا سنة 2015. 

تقوم الشركة بحفر آبار بالسواحل الموريتانية، من بينها المقطع الجنوبي والمقطع "سي 8"(4). كما قامت باكتشافات معتبرة في الناحية الشمالية من نفس المقطع.

3- شركة إكسون موبيل: تعتبر إكسون موبيل إحدى أبرز الشركات الأميركية العاملة في مجال الاقتصاد، وكان يتولى وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، إدارتها التنفيذية قبل تعيينه وزيرًا للخارجية من طرف الرئيس ترامب وإقالته بعد ذلك. وقد وقَّعت الشركة، في ديسمبر/كانون الأول 2017، مع الحكومة الموريتانية ثلاثة عقود للتنقيب عن المقاطع C14، C17، وC22. وبموجب عقود الإنتاج الموقعة بين الطرفين فإن حصة الشركة ستكون 90% من الإنتاج في حين ستكون 10% للحكومة الموريتانية.

وبهذا الاتفاق، تكون موريتانيا أول محطة للشركة في منطقة غرب إفريقيا، بعد أن كانت أنشطتها مقتصرة على دول وسط وجنوب القارة.

-شركة توتال الفرنسية: دخلت شركة توتال الفرنسية في قائمة الشركات الأجنبية المستفيدة من الغاز في مايو/أيار 2017 بعد توقيع اتفاق مع الحكومة الموريتانية للاستكشاف والإنتاج في مجال المحروقات، ويسمح العقد الجديد للشركة باستغلال المقطع C7، الذي تبلغ مساحته 7300 كلم مربع.

ويُلاحَظ تعاظم الاهتمام الاقتصادي لكل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية بموريتانيا في الآونة الأخيرة، وقد تم تجسيد ذلك في إنشاء مكتب موريتاني وبريطاني للأعمال مهتم بتطوير الاستثمارات بين البلدين، وخاصة في مجال الغاز، وقد تم إنشاء المجلس بلندن وبحضور وزير التجارة الدولية البريطاني، أكريك هاندس، ووزير النفط الموريتاني، محمد ولد عبد الفتاح، قبل سنة. ويهدف المجلس إلى إيجاد ظروف تسمح بشراكة مثمرة بين الشركات التجارية والصناعية في البلدين، كما يسمح للشركات البريطانية بالاستفادة من الفرص الاستثمارية بموريتانيا.

كما تم، في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2018، الإعلان في نواكشوط عن ميلاد منتدى الأعمال الأميركي-الموريتاني، وهو الأول من نوعه، وتم تدشينه بحضور عدد من رجال الأعمال الموريتانيين. وأكد القائمون على المنتدى أنه يهدف إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين الولايات المتحدة الأميركية وموريتانيا وتحسين مناخ الأعمال للشركات الأميركية والموريتانية في كلا البلدين.

على أن تنافس الأطراف الدولية، الساعية إلى الحصول على فوائد اقتصادية من هذه الاكتشافات بات ماثلًا للعيان، فشركة "توتال" الفرنسية ضغطت بقوة حتى لا تستبد الشركات الأنكلوفو/سكسونية بفوائد الغاز السنغالي-الموريتاني، وهو ما عبَّر عنه السفير الفرنسي في داكار في مقابلة مع يومية "لو سولي" الرسمية السنغالية بالقول: إن الأميركيين والبريطانيين استحوذوا على عقود الاستكشاف والاستخراج والاستغلال، رغم أن شركة «توتال» الفرنسية أبدت اهتمامًا بالموضوع منذ الوهلة الأولى.

أثناء الإعلان عن اكتشافات الغاز في السنغال وموريتانيا، لم تكن العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وفرنسا على ما يرام؛ حيث اتسمت علاقات نواكشوط وباريس بجفاء ملحوظ بدأ مع قرار الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، الرافض للمشاركة في التحالف الذي تزعَّمته فرنسا سنة 2013 لطرد الجماعات الإسلامية المسلحة من شمال مالي(5)، وما إحجام المسؤولين الفرنسيين عن زيارة موريتانيا على مدار السنوات الأربع الماضية وتكذيب الجيش الموريتاني لرواية للجيش الفرنسي التي يؤكد فيها قيامه بتنفيذ عمليات عسكرية فوق التراب الموريتاني، وحديث الرئيس الموريتاني لبعض المنتخبين عن رفضه لقبول رشوى من رجل الأعمال الفرنسي، فينصان بولوري (Vincent Bolloré)، بقيمة 10 ملايين يورو مقابل منحه صفقة تتعلق بميناء نواكشوط، وظهور الحس الوطني الجديد لدى ولد عبد العزيز المتعلق بتمجيد المقاومة، وهجومه المبطن على الاستعمار الفرنسي، ودعم فرنسا للموقف السنغالي في الأزمة الغامبية إلا مظاهر وأعراض بيِّنة لأزمة صامتة اختار مسؤولو البلدين عدم تصديرها للرأي العام(6).

لقد تسببت الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين موريتانيا وفرنسا في حرمان شركة "توتال" الفرنسية من الامتيازات الرئيسية للغاز ومن الاستئثار بالتنقيب في المقاطع الرئيسية والمهمة، وظلت الحال على ما هي عليه إلى أن جاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للحكم، وكان ماكرون قد تبنى سياسة أكثر نعومة وانفتاحًا تجاه موريتانيا، فأبدى تحمسًا تامًّا لدعم وتمويل القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، التي أُنشئت بمبادرة من الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز؛ وهو ما حدا بالرئيس الموريتاني من جهته لإلحاق شركة "توتال" الفرنسية للائحة الشركات الكبرى المنقبة عن الغاز.

وتبقى هيمنة الشركات البريطانية والأميركية على حقل الغاز المشترك بين البلدين مؤشرًا ملموسًا يجسد نفوذًا اقتصاديًّا بدأ يلوح في الأفق لصالح كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على حساب فرنسا التي كانت القوة الخارجية الأولى الأكثر تأثيرًا في البلدين بفعل استثماراتها المتعددة ولكونها القوة الاستعمارية السابقة للسنغال وموريتانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن مظاهر انحسار النفوذ الاقتصادي لفرنسا بالبلدين بدأت قبيل اكتشاف حقول الغاز، فالشركات الفرنسية العاملة(7) في قطاعات مختلفة بالسنغال مثلًا تراجعت قبل سنوات حصتها في السوق السنغالية من 25% إلى 15% لصالح المنافسة الصينية، كما أن رُخَص التنقيب عن النفط التي منحت السنغال عقودها الرئيسية لشركة "توتال" الفرنسية لم تثمر نتائج معتبرة لحد الساعة تسمح لفرنسا بالاحتفاظ بنفوذها الاقتصادي الضارب في القدم.

كان العقد الموريتاني السينغالي مع الشركة البريطانية لاستخراج الغاز من حقل السلحفاة يتضمن تاريخ محدد سنة 2022 ولكن الشركة انتهكت الاتفاق واخرت العمل فى مشروع الغاز حتى ما بعد سنة 2023 وهو ما جعل البلدين يحرمان من ارتفاع أسعار الغاز فى العالم حاليا ولو احترمت شركة بي بي الاتفاق لحصلت موريتانيا والسنغال على مبالغ ضخمة من عاءدات هذه الثروة لكن إضاعة السنوات الماضية جعلت المشروع يتأخر عن الطفرة فى الأسعار والسؤال هو هل تطلب موريتانيا والسنغال تعويضا من الشركة البريطانية عن إضاعة الوقت الثمين الخاص باستخراج الغاز ام لا

على مدار الساعة

فيديو